" عندما عادت إلى السرداب، تأكدت مما كانت تعرفه أصلا؛ أنها طفلة غير مرئية، لم يفطن أحد لغيابها. كان غشاء النعاس الشفيف مازال يغلفها، و بدت مثل جنين يطفو في سائل غروي، محلول لتحنيط الخدج. ستفكر مناير في تلك الإستعارات عندما تكبر. لكنها في تلك اللحظة كانت مجرد طفلة عادية تريد أمها.
رفضت مناير أن تتكلم، أمضت أياما ممددة على ظهرها تشخص في السقف عاجزة عن مزاولة الحياة. بالكاد تأكل. كلما ناداها أحد أخفت رأسها تحت اللحاف مثل زبوط يتوغل في قوقعته. جدتها تحسست جبينها؛ لا حُمّى. لكنها عليلة في قلبها.أحيانا ترسم بفتور أصدافا و قواقع، و أحيانا تنصت إلى هدى و هي تقص عليها الحكايات، لكنها في المجمل كانت تتمنى الموت، و صرخت مرة بأنها تريد (دايا)، لأن أحدا لا يعد المعكرونة مثلها. تستطيع مناير أن تردد اسم (دايا) بقدر ما تريد، لكنها لا تستطيع لفظ اسم نادية.
في ساعات بعينها، كانت تفكر بأن الحل هو أن تمرض، أن تمرض حتى تلامس تخوم الموت، متأكدة بأن سببا مثل هذا سيجعل أمها تعود، لتضع راحتها على جبينها فتلمسها و تتأكد بأنها حقيقية. أحيانا كانت تترنم، هامسة لكيلا يسمعها أحد (خاصة الجدة) بالأغنيات التي رقصت عليها في مسرح الروضة وسط دموع نادية، بعد أن تلصق قوقعة ناب الفيل بأذنها. و تتساءل أي ضرب من الحيل عليها أن تأتيه لكي تكف نادية عن ترحالها؟"
السندباد الأعمى لبثينة العيسى (بتصرف)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire