lundi 30 mai 2022

عمر بن عبد العزيز إمام الزاهدين

 (نقلت هذه السطور من كتاب "الخطة البراقة لذي النفس التواقة" للدكتور صلاح الخالدي؛ لما وجدت فيها من شيء في نفسي أو يشبهه)

  "و أوضح نموذج لذي النفس التواقة هو إمام الزاهدين بعد الصحابة الكرام عليهم رضوان الله، الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

  هو إمام الزاهدين كما قال الزاهد العابد الحسن البصري رحمه الله، فقد قيل له: يا أبا سعيد: أنت أزهد الناس!

 فقال الحسن البصري: لست أزهد الناس، و لكنه عمر بن عبد العزيز! فقيل له: لماذا؟

 فقال: لأنه زهد في الدنيا بعدما تمكن منها، وقدر عليها، إنه أمير المؤمنين، و الدنيا كله بين يديه، و لو أراد أن يأخذ منها ما يشاء لأخذ، لكنه استعلى عليها بعد القدرة عليها، و زهد فيها بعد الوصول إليها، فهو إمام الزاهدين!

    و قد زهد ابن عبد العزيز في الدنيا بعد القدرة عليها لأن له نفسا تواقة، كلما حققت مرحلة تطلعت إلى ما بعدها، و كلما قطعت شوطا سارت إلى ما بعده، و كلما حصلت على ما تريد تاقت إلى ما هو أسمى منه.

ابن عبد العزيز بين الولاية و الخلافة

كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة، من قبل الخليفة سليمان بن عبد الملك، ثم صار مستشارا خاصا لسليمان، و بعد وفاته صار ابن عبد العزيز خليفة من بعده.

إن ابن عبد العزيز عابد صالح طيلة عمره، حتى في أيام ولايته على المدينة، لكنه كان منعما مترفا، مكثرا من المباح الحلال، راغبا في المتع و الطيبات التي أباحها الله و لما صار خليفة زهد في المباحات و الطيبات، و تركها و تخلى عنها، ليس تحريما لها، لكن نفسه تاقت إلى ما هو أفضل منها!

و يحدثنا عن هذا 'التوق' الرائع عند عمر بن عبد العزيز وزيره الصادق الصالح رجاء بن حيوة رحمه الله. حيث كان رجاء ابن حيوة مع ابن عبد العزيز لما كان واليا على المدينة، و هو مقبل على المباحات الطيبات، و كان مع ابن عبد العزيز لما صار خليفة، و زهد في الطيبات، تواقا إلى ما هو أفضل منها.

رجاء بن  حيوة و ثوبان لعمر

قال رجاء بن حيوة: لما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة، قال لي: يا رجاء؛ اذهب و اشتر لي ثوبا.

فاشتريت له ثوبا جيدا، ثمنه خمسمائة درهم.

و لما أتيته به، و لمسه بيده، قال: هو جيد، لولا أنه رخيص الثمن!

قال رجاء: و بعد سنوات صار عمر أميرا للمؤمنين، فقال لي يوما: يا رجاء: اذهب و اشتر لي ثوبا.

فاشتريت له ثوبا رخيصا متواضعا، ثمنه خمسة دراهم!

و لما أتيته به، و لمسه بيده، فاجأني بقوله: هو جيد، لولا أنه غالي الثمن!

فتعجبت كيف يكون الثوب الذي اشتريته له في المدينة قبل سنوات بخمسمائة درهم رخيص الثمن، و يكون الثوب الذي اشتريته الآن بخمسة دراهم غالي الثمن؟ كيف؟

قال رجاء: تأثرت من كلام عمر بكيت.

فقال لي عمر: يا رجاء: ما يبكيك؟

قلت له: موقفك و كلامك يا أمير المؤمنين، فكيف اعتبرت الثوب السابق ذا الخمسمائة درهم رخيصا، و اعتبرت الثوب الحالي ذا الخمسة دراهم غاليا؟

 ابن عبد العزيز ذو النفس التواقة

قال: يا رجاء: إن لي نفسا تواقة، كلما حققت شيئا تاقت إلى ما بعده.

يا رجاء: تاقت نفسي إلى ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، ثم تاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها. و الآن تاقت نفسي إلى الجنة، و أرجو أن أكون من أهلها!!.

هاهو عمر بن عبد العزيز ذو النفس التواقة رضي الله عنه، كان يضع نفسه محطات مقصودة مطلوبة، و كلما وصل إلى محطة، تاقت نفسه إلى ما بعدها، فشد الرحال و غذَّ الخطى إليها، بدأ بالزواج من ابنة عمه، ثم انتقل إلى الإمارة، ثم إلى الخلافة، و ليس هناك في الدنيا ما هو أعلى من الخلافة، و لذلك تاقت نفسه إلى الجنة، و رجا أن ينالها و أن يكون من أهلها."

(الخطة البراقة لذي النفس التواقة -الدكتور صلاح الخالدي)

1 commentaire:

  1. يرضى عليك ويرضيك يا رفيقة، فتحت في داخلي ملفا.. ياااااه.. اللهم اللهم..

    RépondreSupprimer