في ظِلالِ فاتِحة الكتاب
Boutheina
décembre 06, 2018
0 Comments
للإنسان قوّتان: قوة علميّة نظريّة، و قوّة عمليّة إراديّة. وسعادته التّامة موقوفة على استكمال قوّتيْه العلميّة و الإرادية.
و استكمال القوة العلمية، إنما يكون بمعرفة فاطره و بارئه، و معرفة أسمائه و صفاته، و معرفة الطريق التي توصل إليه، و معرفة آفاتها، و معرفة نفسه، و معرفة عيوبها. فبهذه المعارف الخمس يحصل كمال قوته العلمية، و أعلم الناس اعرفهم بها و أفقههم فيها.
و استكمال القوة العملية الإرادية لا يحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، و القيام بها إخلاصا و صدقا و نصحا و إحسانا و متابعة و شهودا لمنّتِه عليه، و تقصيره هو في أداء حقة، فهو مستحيي من مواجهته بتلك الخدمة، لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه و دون دون ذلك، و أنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته، فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى إليه أولياؤه و خاصَّته، و أن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط، إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال، و إما في قوته العملية فيوجب له الغضب.
فكمال الإنسان و سعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، و قد ضمّنتها سورة الفاتحة و انتظمتها أكمل انتظام.
فإن قوله:" الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَومِ الدِّينِ" يتضمن الأصل الأول، و هو معرفة الرب تعالى، و معرفة أسمائه و صفاته و أفعاله.
و الأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، و هي: اسم الله، و الرّب، و الرّحمان. فاسم الله متضمن لصفات الألوهية، و اسم الرّب متضمن لصفات الربوبية، و اسم الرحمان متضمن لصفات الإحسان و الجود و البِرّ. و معاني أسمائه تدور على هذا.
و قوله:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه، و أنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبّه و يرضاه، و استعانته على عبادته.
و قوله:" اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسَتَقِيمَ" يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، و أنه لا سبيل له إلى الاستقامة إلا بهداية ربه له، كما لا سبيل له إلى عبادته إلا بمعونته، فلا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.
و قوله:" غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و لَا الضَّالِّينَ" يتضمن بيان طرفي الإنحراف عن الصراط المستقيم، و أن الإنحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم و الإعتقاد، و الإنحراف إلى الطرف الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد و العمل.
فأول السورة رحمة، و أوسطها هداية، و آخرها نعمة.
و حظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، و حظه منها على قدر حظه من الرحمة، فعاد الأمر كله إلى نعمته و رحمته. و النعمة و الرحمة من لوازم ربوبيته، فلا يكون إلا رحيما منعما، و ذلك من موجبات إلهيّته، فهو الإله الحق، و إن جحده الجاحدون و عدل به المشركون.
فمن تحقق بمعاني الفاتحة، علما و معرفة و عملا و حالا، فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، و صارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبّدين. و الله المستعان.
الفوائد- الإمام بن قَيِّمِ الجوزيَّة-
و استكمال القوة العلمية، إنما يكون بمعرفة فاطره و بارئه، و معرفة أسمائه و صفاته، و معرفة الطريق التي توصل إليه، و معرفة آفاتها، و معرفة نفسه، و معرفة عيوبها. فبهذه المعارف الخمس يحصل كمال قوته العلمية، و أعلم الناس اعرفهم بها و أفقههم فيها.
و استكمال القوة العملية الإرادية لا يحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، و القيام بها إخلاصا و صدقا و نصحا و إحسانا و متابعة و شهودا لمنّتِه عليه، و تقصيره هو في أداء حقة، فهو مستحيي من مواجهته بتلك الخدمة، لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه و دون دون ذلك، و أنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته، فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى إليه أولياؤه و خاصَّته، و أن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط، إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال، و إما في قوته العملية فيوجب له الغضب.
فكمال الإنسان و سعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، و قد ضمّنتها سورة الفاتحة و انتظمتها أكمل انتظام.
فإن قوله:" الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَومِ الدِّينِ" يتضمن الأصل الأول، و هو معرفة الرب تعالى، و معرفة أسمائه و صفاته و أفعاله.
و الأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، و هي: اسم الله، و الرّب، و الرّحمان. فاسم الله متضمن لصفات الألوهية، و اسم الرّب متضمن لصفات الربوبية، و اسم الرحمان متضمن لصفات الإحسان و الجود و البِرّ. و معاني أسمائه تدور على هذا.
و قوله:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه، و أنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبّه و يرضاه، و استعانته على عبادته.
و قوله:" اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسَتَقِيمَ" يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، و أنه لا سبيل له إلى الاستقامة إلا بهداية ربه له، كما لا سبيل له إلى عبادته إلا بمعونته، فلا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.
و قوله:" غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و لَا الضَّالِّينَ" يتضمن بيان طرفي الإنحراف عن الصراط المستقيم، و أن الإنحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم و الإعتقاد، و الإنحراف إلى الطرف الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد و العمل.
فأول السورة رحمة، و أوسطها هداية، و آخرها نعمة.
و حظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، و حظه منها على قدر حظه من الرحمة، فعاد الأمر كله إلى نعمته و رحمته. و النعمة و الرحمة من لوازم ربوبيته، فلا يكون إلا رحيما منعما، و ذلك من موجبات إلهيّته، فهو الإله الحق، و إن جحده الجاحدون و عدل به المشركون.
فمن تحقق بمعاني الفاتحة، علما و معرفة و عملا و حالا، فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، و صارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبّدين. و الله المستعان.
الفوائد- الإمام بن قَيِّمِ الجوزيَّة-